الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والذي يفسد جو الحكم المنهجي لله أن أناسا يجدون رجلا عّدد، فأخذ إباحة الله في التعدد، ثم لم يعدل، فوجدوا أبناءه من واحدة مهملين مشردين، فيأخذون من ذلك حجة على الإسلام. والذين حاولوا أن يفعلوا ما فعلوا في قوانين الأحوال الشخصية إنما نظروا إلى ذلك، التباين الشديد الذي يحدثه بعض الآباء الحمقى نتيجة تفضيل أبناء واحدة على أخرى في المأكل والملبس والتعليم! إذن فالمسلم هو الذي يهجر دينه ويعرضه للنقد والنيل من أعدائه له. فكل إنسان مسلم على ثغرة من ثغرات دين الله تعالى فعليه أن يصون أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته من أي انحراف أو شطط؛ لأن كل مسلم بحركته وبتصرفه يقف على ثغرة من منهج الله، ولا تظنوا أن الثغرات فقط هي الشيء الذي يدخل منه أعداء الله على الأرض كالثغور، لا، الثغرة هي الفجوة حتى في القيم يدخل منها خصم الإسلام لينال من الإسلام.إنك إذا ما تصرفت تصرفا لا يليق فأنت فتحت ثغرة لخصوم الله. فسدّ كل ثغرة من هذه الثغرات، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد توسع في العدل بين الزوجات توسعا لم يقف به عند قدرته، وإن وقف به عند اختياره، فالرسول صلى الله عليه وسلم حين مرض كان من الممكن أن يعذره المرض فيستقر في بيت واحدة من نسائه، ولكنه كان يأمر بأن يحمله بعض الصحابة ليطوف على بقية نسائه في أيامهن فأخذ قدرة الغير.وكان إذا سافر يقرع بينهن، هذه هي العدالة.وحين توجد مثل هذه العدالة يشيع في الناس أن الله لا يشرع إلا حقا، ولا يشرع إلا صدقا، ولا يشرع إلا خيرا. ويسد الباب على كل خصم من خصوم دين الله، حتى لا يجد ثغرة ينفذ منها إلى ما حرم دين الله، وإن لم يستطع المسلم هذه الاستطاعة فليلزم نفسه بواحدة. ومع ذلك حين يلزم المسلم نفسه بزوجة واحدة، هل انتفت العدالة مع النفس الواحدة؟ لا، فلا يصح ولا يستقيم ولا يحل أن يهمل الرجل زوجه. ولذلك حينما شكت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن زوجها لا يأتي إليها وهي واحدة وليس لها ضرائر، فكان عنده أحد الصحابة، فقال له: أفتها أي أعطها الفتوى.قال الصحابي: لك عنده أن يبيت عندك الليلة الرابعة بعد كل ثلاث ليال.ذلك أن الصحابي فرض أن لها شريكات ثلاثا، فهي تستحق الليلة الرابعة. وسُر عمر- رضي الله عنه- من الصحابي؛ لأنه عرف كيف يفتي حتى في أمر المرأة الواحدة.إذن قول الحق سبحانه وتعالى: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129] أي لا تظنوا أن المطلوب منكم تكليفيا هو العدالة حتى في ميل القلب وحبه، لا. إنما العدالة في الأمر الاختياري، ومادام الأمر قد خرج عن طاقة النفس وقدرتها فقد قال سبحانه: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْل} ويأخذ السطحيون الذين يريدون أن يبرروا الخروج عن منهج الله فيقولوا: إن المطلوب هو العدل وقد حكم الله أننا لا نستطيع العدل.ولهؤلاء نقول: هل يعطي ربنا باليمين ويأخذ بالشمال؟ فكأنه يقول: اعدلوا وأنا أعلم أنكم لن تعدلوا؟ فكيف يتأتى لكم مثل هذا الفهم؟ إن الحق حين قال: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} أي لا يتعدى العدل ما لا تملكون من الهوى والميل؛ لأن ذلك ليس في إمكانكم، ولذلك قال: {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْل}.نقول ذلك للذين يريدون أن يطلقوا الحكم غير واعين ولا فاهمين عن الله، ونقوله كذلك للفاهمين الذين يريدون أن يدلسوا على منهج الله، وهذه المسألة من المسائل التي تتعرض للأسرة، وربها الرجل. فهب أن رجلا ليس له ميل إلى زوجته، فماذا يكون الموقف؟ أمن الأحسن أن يطلقها ويسرحها، أم تظل عنده ويأتي بامرأة تستطيع نفسه أن ترتاح معها؟ أو يطلق غرائزه في أعراض الناس؟إن الحق حينما شرع، إنما شرع دينا متكاملا، لا تأخذ حكما منه لتترك حكما آخر.والأحداث التي أرهقت المجتمعات غير المسلمة ألجأتهم إلى كثير من قضايا الإسلام. وأنا لا أحب أن أطيل، هناك بعض الدول تكلمت عن إباحة التعدد لا لأن الإسلام قال به، ولكن لأن ظروفهم الاجتماعية حكمت عليهم أنه لا يحل مشاكلهم إلا هذا، حتى ينهو مسألة الخليلات. والخليلات هنّ اللائي يذهب إليهن الرجال ليهتكوا اعراضهن ويأتوا منهن بلقطاء ليس لهم أب.إن من الخير أن تكون المرأة الثانية، امرأة واضحة في المجتمع. ومسألة زواج الرجل منها معروفة للجميع، ويتحمل هو عبء الأسرة كلها. ويمكن لمن يريد أن يستوضح كثيرا من أمر هؤلاء الناس أن يرجع إلى كتاب تفسير في هذا الموضوع للدكتور محمد خفاجة حيث أورد قائمة بالدول وقراراتها في إباحة التعدد عند هذه الآية.وهنا يجب أن ننتبه إلى حقيقة وهي: أن التعدد لم يأمر به الله، وإنما أباحه، فالذي ترهقه هذه الحكاية لا يعدد، فالله لم يأمر بالتعدد ولكنه أباح للمؤمن أن يعدد. والمباح أمر يكون المؤمن حرا فيه يستخدم رخصة الإباحة أو لا يستعملها، ثم لنبحث بحثا آخر. إذا كان هناك تعدد في طرف من طرفين فإن كان الطرفان متساويين في العدد، فإن التعدد في واحد لا يتأتى، والمثل هو كالآتي:إذا دخل عشرة أشخاص حجرة وكان بالحجرة عشرة كراسي فكل واحد يجلس على كرسي، ولا يمكن بطبيعة الحال أن يأخذ واحد كرسيا للجلوس وكرسيا آخر ليمد عليه ساقيه، لكن إذا كان هناك أحد عشر كرسيا، فواحد من الناس يأخذ كرسيا للجلوس وكرسيا آخر ليستند عليه، إذن فتعدد طرف في طرف لا ينشأ إلا من فائض. فإذا لم يكن هناك فائض، فالتعدد- واقعا- يمتنع، لأن كل رجل سيتزوج امرأة واحدة وتنتهي المسألة، ولو أراد أن يعدد الزواج فلن يجد.إذن فإباحة التعدد تعطينا أن الله قد أباحه وهو يعلم أنه ممكن لأن هناك فائضا. والفائض كما قلنا معلوم، لأن عدد ذكور كل نوع من الأنواع أقل من عدد الإناث. وضربنا المثل من قبل في النخل وكذلك البيض عندما يتم تفريخه؛ فإننا نجد عددا قليلا من الديوك والبقية إناث. إذن فالإناث في البنات وفي الحيوان وفي كل شيء أكثر من الذكور.وإذا كانت الإناث أكثر من الذكور، ثم أخذ كل ذكر مقابله فما مصير الأعداد التي تفيض وتزيد من الإناث؟ إما أن تعف الزائدة فتكبت غرائزها وتحبط، وتنفس في كثير من تصرفاتها بالنسبة للرجل وللمحيط بالرجل، وإما أن تنطلق، تنطلق مع من؟ إنها تنطلق مع متزوج. وإن حدث ذلك فالعلاقات الاجتماعية تفسد.ولكن الله حين أباح التعدد أراد أن يجعل منه مندوحة لامتصاص الفائض من النساء؛ ولكن بشرط العدالة.وحين يقول الحق: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَة} أي إن لم نستطع العدل الاختياري فليلزم الإنسان الواحدة.وبعد ذلك يقول الحق: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.وهناك من يقف عند {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ويتجادل، ونطمئن هؤلاء الذين يقفون عند هذا القول ونقول: لم يعد هناك مصدر الآن لملك اليمين؛ لأن المسلمين الآن في خنوع، وقد اجترأ عليهم الكفار، وصاروا يقتطعون دولا من دولهم. وما هبّ المسلمون ليقفوا لحماية أرض إسلامية. ولم تعد هناك حرب بين مسلمين وكفار، بحيث يكون فيه أسرى، وملك اليمين.ولكنا ندافع عنه أيام كان هناك ملك يمين. ولنر المعنى الناضج حين يبيح الله متعة السيد بما ملكت يمينه، انظر إلى المعنى، فالإسلام قد جاء ومن بين أهدافه أن يصفي الرقّ، ولم يأت ليجئ بالرق.وبعد أن كان لتصفية الرق سبب واحد هو إرادة السيد. عدد الإسلام مصاريف تصفية الرق؛ فارتكاب ذنب ما يقال للمذنب: اعتق رقبة كفارة اليمين. وكفارة ظهار فيؤمر رجل ظاهر من زوجته بأن يعتق رقبة وكفارة فطر في صيام، وكفارة قتل.. إلخ. إذن فالإسلام يوسع مصارف العتق.ومن يوسع مصارف العتق أيريد أن يبقى على الرق، أم يريد أن يصفيه ويمحوه؟ولنفترض أن مؤمنا لم يذنب، ولم يفعل ما يستحق أن يعتق من أجله رقبة، وعنده جوار، هنا يضع الإسلام القواعد لمعاملة الجواري:- إن لم يكن عندك ما يستحق التكفير، فعليك أن تطعم الجارية مما تأكل وتلبسها ما يلبس أهل بيتك، لا تكلفها ما لا تطيق، فإن كلفتها فأعنها، أي فضل هذا، يدها بيد سيدها وسيدتها، فما الذي ينقصها؟ إن الذي ينقصها إرواء إلحاح الغريزة، وخاصة أنها تكون في بيت للرجل فيه امرأة، وتراها حين تتزين لزوجها، وتراها تخرج في الصباح لتستحم، والنساء عندهن حساسية لهذا الأمر، فتصوروا أن واحدة مما ملكت يمين السيد بهذه المواقف؟ ألا تهاج فيها الغرائز؟حين يبيح الله للسيد أن يستمتع بها وأن تستمتع به، فإنه يرحمها من هذه الناحية ويعلمها أنها لا تقل عن سيدتها امرأة الرجل فتتمتع مثلها. ويريد الحق أيضا أن يعمق تصفية الرق، لأنه إن زوجها من رجل رقيق فإنها تظل جارية أمة، والذي تلده يكون رقيقا، لكن عندما تتمتع مع سيدها وتأتي منه بولد، فإنها تكون قد حررت نفسها وحررت ولدها، وفي ذلك زيادة في تصفية الرق، وفي ذلك إكرام لغريزتها. لكن الحمقى يريدون أن يؤاخذوا الإسلام على هذا!!يقول الحق: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} فالعدل او الاكتفاء بواحدة او ما ملكت اليمين، ذلك أقرب ألا تجوروا. وبعض الناس يقول: {أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} أي ألا تكثر ذريتهم وعيالهم. ونقول لهم: إن كان كذلك فالحق أباح ما ملكت اليمين، وبذلك يكون السبب في وجود العيال قد اتسع أكثر، وقوله: {ذلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} أي أقرب ألا تظلموا وتجوروا، لأن العول فيه معنى الميل، والعول في الميراث أن تزيد أسهم الأنصباء على الأصل، وهذا معنى عالت المسألة، وإذا ما زاد العدد فإن النصيب في التوزيع ينقص. اهـ.
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)}أخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} قالت: يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في مالها ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره. فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية. فأنزل الله: {ويستفتونك في النساء} [البقرة: 220] قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى {وترغبون أن تنكحوهن} [النساء: 127] رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من باقي النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال.وأخرج البخاري عن عائشة. أن رجلًا كانت له يتيمة فنكحها، وكان لها عذق فكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء. فنزلت فيه {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أحسبه قال كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية في اليتيمة تكون عند الرجل وهي ذات مال، فلعله ينكحها لمالها وهي لا تعجبه، ثم يضربها ويسيء صحبتها. فوعظ في ذلك.وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال: كان الرجل من قريش يكون عند النسوة ويكون عند الأيتام، فيذهب ماله فيميل على مال الأيتام. فنزلت هذه الآية {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} الآية.وأخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال: كان الرجل يتزوّج الأربع والخمس والست والعشر فيقول الرجل: ما يمنعني أن أتزوّج كما تزوّج فلان! فيأخذ مال يتيمة فيتزوّج به، فنهوا أن يتزوّجوا فوق الأربع.
|